مساهمة التغيرات الإستراتيجية في تكوين مفاهيم جديدة في التعليم

حصلت تغيرات عالمية لا يمكن تجاهلها خلال السنوات العشر الأخيرة، أدت إلى تبدلات جوهرية في تقنيات التعليم، كان بعضها من ضمن البيئة التعليمية وبعضها الآخر من خارجها.

كان من الأحداث الخارجية ما هو مستمر ومنها ما كان طارئاً، مثال ذلك:

§ انتشار بعض الأمراض حول العالم، كجنون البقر وغيرها، مما دعا العديد من الجامعات الشهيرة الطلب من طلابها عدم الالتحاق بها، والاكتفاء بمتابعتها عن بعد سواء بالانترنيت أو بالقنوات الفضائية.

§ تغير طبيعة وعدد الأحداث الأمنية في العديد من البلدان وعلى المستوى العالمي مما قيّد حركة الأشخاص والأموال.

§ توسع انتشار الانترنيت وسهولة الوصول إليها وانخفاض تكاليفها.

§ نشوء طلبات جديدة إثر تفاقم شدة الأزمة المالية العالمية بين الحكومات والشركات والأفراد.

أما الأحداث التي تعتبر من داخل بيئة المنظومة التعليمية فعديدة أيضا، أهمها:

تزايد النظم التعليمية وانحسار بعضها الآخر، فازدادت نظم التعليم المفتوح والافتراضي، وبقي التعليم المباشر على حاله وانحسر في أحيان أخرى، إضافة إلى احتمال بروز أشكال جديدة مستقبلاً.

تبني المناهج المغلقة أو المفتوحة.

دخول الشركات المهنية المنتجة للمفاهيم والتكنولوجيا سوق التعليم وسيطرتها على حيّز واسع منها، بل وفرضها مفاهيم تجاوزت مفاهيم التعليم التقليدي.

تغير أشكال التدريب المتبعة، كالتدريب الذاتي Self-Study، والتدريب بواسطة مدرب موجه Instructor-Led Training (ILT)، إضافة إلى التدريب المباشر التقليدي Boot Camp.

نجاح شركات الامتحانات في بسط شبكة واسعة من المراكز حول العالم وكسبها موثوقية عالية.

تغير تقنيات الامتحانات Computer Based Test (CBT): كالامتحان التكيفي Adaptive Exam وامتحان الاختيارات إضافة للامتحان التقليدي. وكذلك شيوع شبكات امتحانية خاصة، وقواعد بياناتها Item Bank، وشيوع الشهادات الموثقة على الإنترنيت دون الحاجة إلى وثيقة مكتوبة بالشكل التقليدي بسبب تطور أساليبالتوثيق الالكتروني.

بقاء العديد من الجامعات تحت مطرقة ما يسمى بالسيطرة المطلقة لوزارات التعليم العالي على الجامعات التي تتبع لها، وسندان ازدياد عدد الجامعات الخاصة التي تتبع هيئات عالمية وتتمتع بحرية أكبر، وبما أن الفارق بينها كبير من حيث التبعية والاستقلالية فقد انعكس ذلك على قضايا هامة جداً مثل الاعتمادية والمعادلة.

ففي ضوء السيطرة اللامعقولة لبعض وزارات التعليم العالي بوصفها جهات حكومية، نشأت هيئات عالمية تمنح أشكالا من الاعتمادية صار لها وجود واعتراف عالمي بين الأوساط الحكومية وأسواق العمل، بينما تراوح بعض الدول التمسك بالمفاهيم القديمة مما ينعكس سلبا على العلاقة بين الخريج والجامعة.

إن الخريج بالمفهوم التسويقي هو الزبون، لكن إرضاءه أمر يميع جودة العملية التعليمية، لذلك لابد من تحقيق أهدافه في مساعدته بالحصول على عمل لائق في سوق العمل الحكومي والخاص على حد سواء.

ويترتب على الجامعات بالاعتبارات التقنية تأمين أفضل المناهج والأساليب الحديثة لمواكبة التطورات المحيطة، إضافة إلى قضايا الابتكار والإبداع التي تساعدها في تحقيق سبق يتيح لها قيادة حركة الأسواق قدر الإمكان.

أما التطور الحكومي، وخاصة كوادره البشرية، فتعاني من بطئ حركة التطور، سواء لاستيعاب المناهج أو لتتبع السياسات التعليمية والعلمية المستجدة باستمرار، مما يعرقل قضايا الاعتراف والمعادلة في حالة السيطرة الشديدة على الجامعات، وينعكس سلبا على الخريجين عموماً.

أما أسواق العمل فتقع بين مطرقة تبني آخر المستجدات ببحثها عن الخريجين ذوي الكفاءات الأفضل والحداثة الأكثر، وسندان ضرورة المصادقة على شهادات الخريجين من المصادر الحكومية ممثلة بوزارات الخارجية التي تأتمر بتوجهات وزارات التعليم العالي مما يعيدنا إلى قضية غير منتهية تلخصها قصة: البيضة قبل أم الدجاجة؟

لقد أخرجت الشركات المهنية المنتجة للمفاهيم والتكنولوجيا أنفسها من هذه الدوامة، فلا أحد يجادل في شهادات مايكروسوفت أو أوراكل أو المحاسب القانوني أو المراجع الداخلي أو المحلل المالي .. الخ، بينما تبقى الجامعات عالقة في الدوامة.

لقد مرت جامعتنا بعدة تطورات غيّرت فيها مفاهيمها تبعاً لرؤيتها الإستراتيجية، فكانت بعض الهنات وهذه صفة من يعمل، لكن كانت هناك نتائج مرضية. فقد وضعت بصمتها الخاصة بانطلاقها نحو العالمية بمفاهيم تجاوزت معظم من الإشكاليات، وجمعت بين مزايا التعليم المفتوح والافتراضي والمباشر أي التقليدي بإنشائها شراكات ناجحة مع مؤسسات تعليمية معتبرة، في آسيا وأفريقيا، يصعب تواصلها مع مراكز البحث والتعليم في البلدان المتقدمة، فساهمت في وضع جسور تنموية فكانت مساهمات اجتماعية تحسب لها.

إن المؤسسات العلمية المتمثلة بالجامعات هي المصدر الرئيسي للبحوث وللدراسات المستجدة، وعليها أن تبقى قاطرة الابتكارات والأفكار الإبداعية لأن دورها استشراف المستقبل، وتحسس تطور الحاجات، وتقديم المنتجات الجديدة أو المجددة لمقابلة الاحتياجات المتغيرة.
وهذا يتطلب التأقلم مع المتغيرات بسرعة لتحقيق السبق.

لذلك يجب بناء نظام فعال لجمع بيانات التغذية الراجعة، والسماح لعناصر السوق بالتفاعل البناء حتى لو أدى ذلك إلى هدم بعض الحقائق وإعادة بنائها، مما يجعلنا أمام نظرة ناقدة متفحصة تتفهم الأمور ولا تقبل تعليلها وفق نمطية ثابتة ورؤية جاهزة.

هذه هي سمات التعليم المعاصر.. وعلى هذا تبني جامعتنا رؤيتها..